icon

الدكتور وهاب ميرركني

العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات

مولود :

1979

الجنسیة:

إيران

الأعمال:

مشروع التجزئة الحساسة للمجاورة المبني على توزيعات p-المستقرة

السيرة الذاتية‌

رحلة عقل فضولي بين البيانات
رحلة وأبحاث عقل كل باحث، هي شبكة من الأسئلة والتجارب والاختبارات التي تشكل مسار العلم. بدأ وهاب ميرركني هذا المسار من دفتر مليء بالتحديات في طفولته، ثم انتقل من صفوف المدرسة ومسابقات الروبوتات إلى الجامعات المرموقة في العالم والمختبرات البحثية الكبيرة. تظهر تجاربه المتعددة أن التقدم العلمي ليس مسارا خطيا، بل هو شبكة من الاكتشافات، الاختبارات والتجارب المتنوعة التي تتشكل دائما في تفاعل مع المشكلات الواقعية للحياة.
مساره العلمي، من صفوف المدرسة إلى الجامعة والبحوث الصناعية، كان دائما مصحوبا بالاكتشافات والتحديات. في صفوف مدرسة المواهب المتفوقة في مدينة كرج، كان يقضي ساعات يتعامل فيها مع أصعب الأسئلة. كانت مسابقات الأولمبياد والتحديات العالمية في RoboCup  أول ساحات نمو له؛ حيث تعلم أن الثقة بالنفس والعمل الجماعي هما أساس كل نجاح عظيم. لا يزال يتذكر اليوم الذي فاز فيه فريقهم بالمركز الأول في أوروبا. بالنسبة له، كانت الخبرة العميقة في التعاون والثقة بالنفس أكثر قيمة من الميداليات.
دخوله الجامعة فصل مساره عن التعليم التقليدي، حيث التحق بجامعة صنعتي شريف؛ هناك عمق حبه للخوارزميات من خلال المشاريع ومسابقات البرمجة والروبوتات. هذه التجارب عرفته على حلول مبتكرة للمشكلات المعقدة. أصبح هذا النهج فيما بعد نموذجا ثابتا في أبحاثه: تفكيك المشكلات إلى أجزاء صغيرة، التحليل الدقيق وإعادة تركيبها بأبعاد جديدة. في هذه الجامعة أدرك أنه يجب أن يبني مستقبله في علوم الحاسوب النظرية، وهو اختيار أوصله عام 2005 إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في بوسطن. بين العقول اللامعة، غاص في عالم علوم الحاسوب النظرية؛ بيئة علمته ليس فقط كيف يفكر بعمق أكثر، بل كيف أن العلم يصبح ذا قيمة حين يرتبط بالحياة الواقعية.
الطريق نحو الابتكار في العالم
بعد تخرجه من MIT، عمل في أمازون ومايكروسوفت للأبحاث، حيث كانت تلك بمثابة مختبرات حية له؛ حيث كان عليه تحويل الخوارزميات النظرية إلى حلول يستخدمها ملايين المستخدمين يوميا. لكن وجهته الرئيسية كانت جوجل للأبحاث، حيث قضى أكثر من عقد في مشاريع ضخمة وعلى نطاق واسع. هناك يعمل مع بيانات تصل أحيانا إلى حجم بيانات سكان الأرض كلهم. تذكره هذه التجربة دوما بأن العلم له معنى فقط عندما يستطيع استخراج حلول واقعية من النظرية. يشغل حاليا منصب رئيس فرق الأبحاث الخوارزمية في نيويورك. تمتد مشاريعه من خوارزميات الأسواق والتحسين على نطاق واسع إلى تحليل الرسوم البيانية ومشاريع الذكاء الاصطناعي الحديثة AI مثل Gemini AI . عالم الذكاء الاصطناعي هو دائما مغامرة جديدة له. كل شهر تقدم نماذج وأساليب جديدة تتجاوز حدود الخيال السابقة. ما يدهشه أكثر هو قدرة الأنظمة على التعلم وتحسين ذاتها؛ ظاهرة تجاوزت سرعة التقدم على أي منحنى خطي. يرى في هذا المستقبل الذي كان يُعتقد سابقا أنه يتطلب سنوات طويلة لتوقع حدوثه، بات اليوم يتغير في عضون بضعة أشهر. كما أنه لا يرى في هذا الغموض تهديدا، بل فرصة ثمينة لابتكار أدوات وأفكار تربط حياة الإنسان بالعلم بشكل أعمق.
العلم ثمرة جهد جماعي
ميرركني يؤكد دائما على هذه الملاحظة بأن النجاح الحقيقي لا يحدث إلا إذا تم مشاركته مع الآخرين. يعتقد أن الإنجازات ليست فقط نتيجة جهد فردي، بل نتاج تعاون، ثقة وتفكير مشترك بين فرق البحث. هذه الفلسفة تجلت في مساره العلمي، ونيله لجائزة المصطفى(ص) لعام 2025 كان نتاج إنجازه في مشروع "التجزئة الحساسة للمكان بناء على توزيعات p-المستقرة1، والتي تعد مثالا بارزا على هذه الرؤية. من بين جوائزه الأخرى كان حصوله على أفضل مقالة في مؤتمر ACM للتجارة الإلكترونية عام 2008، اضافة الى فوزه بأفضل مقالة طلابية في سيمبوزيوم ACM-SIAM عام 2005، وميدالية ذهبية في أولمبياد المعلوماتية الإيراني عام 1996. كان للعائلة، الأصدقاء، الزملاء وفرق البحث دور بارز في كل نجاح حققه هذا الباحث، وهذه الإنجازات ثمرة ثقة وتعاون جماعي. لهذا السبب نشر العديد من الخوارزميات ومكتبات البيانات المتعلقة بالشبكات العصبية البيانية وتحليل البيانات كمصادر مفتوحة2 ليتمكن الآخرون من استخدامها ومواصلة مسيرة التقدم العلمي. بالنسبة له، العلم دائما هو نتاج جهد جماعي، ولا يكتمل أي إنجاز بدون مشاركة الآخرين.
حياة تتجاوز الخوارزميات
لا تقتصر حياة ميرركني على المعادلات والخوارزميات فقط. فمنذ شبابه، حيث كان يلعب كرة القدم وتنس الطاولة ويتعلم متعة التعاون والتنافس الودي، وحتى اليوم حيث يقدّر لحظات اللعب البسيطة مع أطفاله، يرى دائما أن التوازن بين العلم، العائلة والمجتمع هو مفتاح النمو الحقيقي. تجربة قضاء الوقت مع الأطفال وتبادل التعلم معهم هي من أسمى لحظات حياته، وتعطيه شعورا بالرضا والسعادة لا يمكن لأي نجاح علمي أن يعوضه.
إلى جانب نشاطاته في جوجل للأبحاث، يعمل ميرركني كأستاذ زائر في جامعة نيويورك بمعهد كورانت، حيث يدرس الخوارزميات واقتصاد الإنترنت، وينبه الجيل الجديد قائلا: «الآن هو أفضل وقت لدخول مجال البحث. سرعة التقدم في الذكاء الاصطناعي تخلق فرصة فريدة لتحويل أحلامكم إلى واقع أسرع من أي وقت مضى؛ لكن لا تنسوا، إذا أُسند كل شيء إلى الذكاء الاصطناعي، فإن عقلكم سيفقد فرصة النمو والتطور». كذلك يرى ميرركني مستقبلا حيث الإنسان والذكاء الاصطناعي يتعاونان لحل المشكلات الرياضية المعقدة، وتحسين الحياة اليومية في مجالات مثل الطب، العلوم الاجتماعية وأكثر من ذلك
تُظهر قصة ميرركني أن الفضول والجهد الفردي حين يرتبطان بالتعاون والابتكار يمكن أن يحركا العالم. جهوده في تطوير الخوارزميات والأساليب العلمية، إلى جانب تأثيرها في تقدم المعرفة، تتيح استخدامها العملي في المشاريع والأبحاث المستقبلية، وتمهد الطريق أمام الأجيال القادمة في مسيرة التطور العلمي.
 

التعريف بالأعمال

في بحث عن التشابه
هل سبق أن قرأت كتابا شعرت عند انتهائه وكأنك فقدت صديقا؟ كتابا لم يكن فقط محتواه، بل أجواؤه، ونثره، وشيئا غير مرئي بين سطوره، يتحدث إليك؟ الآن تخيل أنك تبحث عن كتاب آخر يحيي نفس ذلك الإحساس. تدخل مكتبة كبيرة ذات رفوف غير مرتبة. الروايات، الفلسفة، العلوم، التاريخ، كلها موضوعة دون تصنيف محدد على الرفوف. تبدأ بتصفح الكتب على أمل أن تجد شعورا مألوفا. مع مرور الوقت، التعب يرهقك. الكتب كثيرة، وما تبحث عنه لا يمكن إيجاده بسهولة بالعين أو باليد. في النهاية، تجلس خلف أحد حواسيب المكتبة. تكتب وصفا لذلك الكتاب المحبوب، وهنا يتحول هذا الطلب الإنساني إلى مسألة آلية. في عالم الحواسيب، يصبح التحدي أكثر تعقيدا. يجب على محرك البحث أن يبحث بين مليارات الكتب عن كتاب مشابه لما تريد. كيف يمكن للكمبيوتر أن يجد في هذا البحر من البيانات أشياء تشابه بعضها من حيث المعنى أو البنية؟ والأهم من ذلك، كيف يستطيع أن يفعل ذلك بسرعة ودقة دون أن يضطر إلى فحص كل البيانات واحدة واحدة؟ الإجابة تكمن في طريقة تستخدم لغة الأعداد والصيغ بدلا من المشاعر لفهم التشابهات؛ خوارزمية قائمة على توزيعات p-المستقرة، صممها باحثون مثل وهاب ميرركني لكي تتمكن الحواسيب من التعرف على البيانات المشابهة بذكاء وسرعة عالية دون الحاجة لتفتيش كامل الفضاء الرقمي.

التشابه بأسلوب الأعداد
قد يبدو التشابه في النظرة الأولى مفهوما بسيطا؛ لكن عندما ندخل عالم البيانات، يأخذ هذا المفهوم شكلا أكثر دقة واختلافا. بالنسبة للحواسيب، كل شيء، مجرد تسلسل من الأعداد. الصورة هي قائمة من الأعداد التي تمثل البكسلات، وحتى الصوت المسجل هو تقلبات ترددات بأرقام متتابعة. عندما نخطو إلى عالم كل شيء فيه أعداد، يجب أن يُعرّف التشابه بناء على هذه الأعداد. في هذا السياق، إذا أردنا معرفة مدى تشابه شيئين، يجب أن نعرف مدى بعدهما عن بعضهما. لأن منطق الآلة يقول: كلما قل البعد بين مجموعتين، قل الاختلاف بينهما. لهذا السبب، يصبح مفهوم البعد هو أداتنا الأساسية لقياس التشابه. لكن قياس هذا البعد هو مسألة مهمة بحد ذاتها، إذ توجد طرق مختلفة لحسابه. لقياس القرب يستخدم أسلوب يُعرف باسم معيار LPnorm  . هذه الطريقة لها صيغة عامة، وباختلاف الرقم المسمى p تتغير زاوية نظرنا لمفهوم البُعد. مثلا، تخيل أنك رسمت نقطتين على ورقة وتريد قياس المسافة بينهما. إذا وضعت المسطرة بحيث ترسم خطا مستقيما بينهما، فهذا يعني أنك قمت بقياس أقصر مسافة ممكنة. هذا هو الحال عندما تكون   p = 2، ويسمى في الرياضيات "المسافة الإقليدية". الآن تخيل أنه للوصول من نقطة إلى أخرى، يمكنك فقط التحرك عموديا وأفقيا. هنا المسافة بين النقطتين تحسب بجمع حركاتك في المسارين الأفقي والعمودي. هذا هو حين تكون   p = 1، وتسمى "مسافة منهاتن". الرقم p يحدد أي نوع من الاختلافات بين البيانات يعطي النظام اهتماما أكبر.


المسطرة الحاسوبية
الآن ندخل مفهوم البُعد إلى العالم الرقمي، حيث لم تعد البيانات صورا أو أصواتا أو جملا، بل أصبحت متجهات من الأعداد. كما ذكر سابقا، لقياس التشابه بين صورتين أو نصين في الحاسوب، يُقاس البُعد بين المتجهات. مثلا، عندما يحتاج محرك بحث لتحديد ما إذا كان تعبيران يشيران إلى نفس الموضوع، أو عندما يقترح برنامج موسيقي أغان مشابهة، ما يحدث في الخلفية هو مقارنة المتجهات. حسب الهدف، سواء كان دقة عالية أو سرعة أكبر، يمكن اختيار قيم مختلفة للـ p  . إذا أردنا الانتباه للتفاصيل الدقيقة، تكون p=1 خيارا جيدا، لأن كل الاختلافات تُحسب بنفس الوزن. أما إذا أردنا رؤية أشمل، فإن p=2 أكثر ملاءمة، لأنها تسمح للحاسوب بتقدير البُعد بسرعة أكبر. المهم أن لأي قيمة   p ≥ 1، تكون مسافة LP معيارا صالحا وتحفظ خصائص رياضية مثل متساوية المثلث1، أما إذا كانت   p < 1، فيمكن كتابة نفس الصيغة لكنها لن تكون معيارا حقيقيا ولن تحافظ على متساوية المثلث، لذلك يستخدم هذا في النظريات أو تطبيقات خاصة. في علوم البيانات وتعلم الآلة، عادة ما يُستخدم p ≥ 1  لأنه أبسط من الناحية المفاهيمية وله خصائص رياضية مفيدة. مع ذلك، أتاح البحث الابتكاري مثل أبحاث وهاب ميرركني استخدام p < 1 بفعالية، مما يجعل الحواسيب ترى الفروقات بشكل أفضل وأسرع من أي وقت مضى.
اختصار في مدينة البيانات
مهما كانت الطريقة جيدة لقياس التشابه بين البيانات، يبقى لدينا تحد كبير‘ "عالم البيانات لا نهائي". ملايين الصور، النصوص، الأصوات والفيديوهات مخزنة على الحاسوب، وإذا أردنا إيجاد ملف معين بمقارنة هذه الأمور الواحدة تلو الأخرى، سيحتاج الأمر وقتا طويلا جدا. هنا تدخل خوارزمية ذكية، نتاج جهود أشخاص مثل ميرركني، إلى المشهد. "التجزئة الحساسة للموقع" أو Locality-Sensitive Hashing والمعروفة باختصار  (LSH)، هي طريقة لتصنيف البيانات بسرعة. في هذه الخوارزمية، تُجمّع البيانات المشابهة معا بسهولة؛ لكن كيف؟ تستخدم LSH خدعة ذكية، بدلا من مقارنة المتجهات الطويلة مباشرة، تحولها بواسطة دوال تجزئة رياضية خاصة إلى متجهات مختصرة وموجزة تحتفظ بالمعلومات المهمة. يشبه هذا أن نحصل على ملخص ذكي لكتاب، بدلا من قراءة الكتاب كاملا، مع الاحتفاظ بجوهر النص الأصلي. للحفاظ على تقارب المسافة بين المتجهات المختصرة، يستخدم LSH توزيع p-المستقر. هذا التوزيع يوفر لنا متجهات عشوائية من الأعداد، التي بتطبيق عمليات جبرية على المتجه الأصلي تعطي متجها مختصرا للبيانات. الخاصية السحرية لهذا التوزيع هي أن المسافة بين المخرجات تقرب جيدا المسافة بين البيانات الأصلية. أي يمكننا، دون لمس كل البيانات، معرفة أيها أقرب عن طريق متجهات مختصرة. كذلك، حسب نوع المسافة التي نريد قياسها، يُستخدم توزيع p-مستقر معين. مثلا، للمسافة الإقليدية، نختار متجهات عشوائية من توزيع غاوسي2 لأنه مناسب لـ p=2  . ولكل قيمة p توزيعاتها الخاصة. بهذه الطريقة يمكن تصنيف البيانات المتشابهة بسرعة دون البحث المرهق.
في هذه الطريقة الجديدة، لا حاجة لتغيير شكل البيانات تماما أو وضعها في أطر معقدة. هذه البساطة هي التي أدت إلى سرعة مذهلة. في بعض التجارب، كان LSH أسرع بـ 40 مرة من الطرق التقليدية مثل kd-tree، وحتى في ظروف أصعب مثل p  أصغر من 1، جعل البحث ممكنا أيضا . الملخص الذكي جعل هذه الطريقة مساعدا خبيرا في التعرف على الاختلافات. في عالم الأعداد والمتجهات، قد لا يكون هناك شعور، لكن التشابه يمكن التعرف عليه بسرعة مضاعفة.