مولود :
1957
الجنسیة:
الهند
الأعمال:
الخلايا الشمسية البروسكايتية
قصة عقل شمسي
رحلة لربط العلم من تراب الهند إلى سماء الطاقات الجديدة
في الهند، حيث الطب والهندسة حلم مشترك لكثير من الأطفال، بدأ فتى في صفوف المرحلة الابتدائية بمدينة حيدر آباد يرسم بهدوء مسارا مختلفا في ذهنه. كان يرى أن الطب رغم قيمته، إلا أن تأثيره يقتصر على نطاق صغير. وهذا الدافع من أجل النمو والتقدم دفعه لتغيير اختياره وتحويل الكيمياء إلى طريق حياته الجديد؛ قرار بدا للبعض صغيرا، لكنه أصبح أساسا لمستقبل مختلف له. هذه هي قصة محمد خواجه نذيرالدين؛ رواية عن اختيارات متتابعة ومسار حيث فيه كل اختيار جديد شكل فصلا جديدا من حياته.
المعادلات الأولى في الحياة
ولد محمد خواجه نذيرالدين عام 1957 في الهند، وقضى طفولته في تومبور. كان يبلغ من العمر خمس سنوات فقط عندما فقد والده، وواجهت أسرته صعوبات جديدة. في ذلك الوقت، تولى أخوه مسؤولية دعمه، بالإضافة إلى تشجيع وحب معلمه الذي حفزه على الاستمرار في التعليم. بدأت مسيرة نذيرالدين العلمية في الجامعة العثمانية بحيدر آباد، حيث اختار دراسة مزيج الكيمياء وعلم الأحياء لمرحلة البكالوريوس. رغم أن الدراسة في العلوم الأساسية تعني فهم أسس الكون، إلا أنها كانت بالنسبة له بداية رحلة قادته لاحقا إلى تكنولوجيا الخلايا الشمسية.
بعد التخرج، شارك نذيرالدين في امتحانات القبول للدراسات العليا، وتمكن من الحصول على قبول في تخصصين: الوراثة والكيمياء. رغم اهتمامه بالوراثة، لم تكن تحظى بشعبية كبيرة في الهند آنذاك، فاختار الكيمياء. بعد إكمال بكالوريوس في 1978 وماجستير في 1980، توجه نحو الكيمياء غير العضوية، وهو فرع يدرس خصائص وتفاعلات العناصر والمركبات غير الهيدروكربونية. في عام 1986، أنهى درجة الدكتوراه تحت إشراف الدكتور تقي خان في نفس الجامعة العثمانية، وكانت هذه نقطة تحول كبيرة أدخلته رسميا في عالم البحث العلمي. في تلك السنوات، عمل نذيرالدين أيضا كباحث مشارك في المعهد المركزي لأبحاث الملح والمواد الكيميائية البحرية في بهاونجر، وبدأ أولى خطواته المهنية في مجال الأبحاث التطبيقية.
اختيارات مصيرية
في عام 1985، أصبح نذيرالدين محاضرا في كلية الهندسة وتقنية ديكان1 بالجامعة العثمانية. سرعان ما أدرك أن البقاء في نفس المكان لن يلبي عطشه للتقدم. بتشجيع من الدكتور تقي خان، توجه للسعي للحصول على منحة دراسية. كان همه الرئيسي إيجاد طرق لإنتاج الأمونياك بتكلفة ودرجة حرارة أقل، وهو أمر بالغ الأهمية للزراعة في الهند. بناء على هذه الفكرة، شارك في مقابلة في دلهي، وبعد الحصول على المنحة، أرسل طلباته إلى جامعات مختلفة حول العالم. استجاب ثلاثة أساتذة بارزون هم بيل جيبسون(Bill Gibson) من جامعة إمبريال (Imperial) بلندن، وكوتون (Cotton) من جامعة تكساس في أمريكا، ومايكل جراتزل (Michael Gratzel) من EPFL في سويسرا، وأبدوا رغبتهم في التعاون معه. أخيرا اختار طريق جراتزل لأنه رأى في صغر سنه مجالا للجرأة في الأفكار وبيئة أفضل للنمو. هكذا توجه لإجراء فترة ما بعد الدكتوراه في EPFL.
في مجموعة مايكل جراتزل (Michael Gratzel)، كان موضوعا البحث الرئيسيان هما الطاقات المتجددة والكاتاليز، مما حول تركيز نذيرالدين إلى الطاقات المتجددة. بدأ كطالب ما بعد الدكتوراه، واستمر في عدة مناصب بعدها. في 2009، عمل أستاذا كاملا لمدة خمس سنوات في كلية الكيمياء والمواد المتقدمة في الجامعة الكورية2، ومن 2012 حتى 2022 كان أستاذا كاملا في قسم الهندسة الجزيئية للمواد التطبيقية في EPFL . كانت هذه السنوات مرحلة محورية في تركيزه على التكنولوجيا التي تشكل اليوم محور عمله: الخلايا الشمسية بيروفسكيت3.
ركز على بيروفسكيت كمادة ناشئة في خلايا الطاقة الشمسية، وقد ساهم هذا التركيز في تغيير النظرة العالمية للطاقة الشمسية. هذه المادة البلورية كانت معروفة منذ أوائل القرن العشرين، لكنها جذبت اهتماما خاصا في السنوات الأخيرة بسبب خصائصها الاستثنائية في تحويل الطاقة الشمسية. تعد خلايا بيروفسكيت الشمسية الجيل الجديد من تقنيات الطاقة النظيفة، حيث تجمع بين كفاءة عالية، تكلفة إنتاج منخفضة، وسهولة التصنيع. يعد تركيز محمد نذيرالدين على هذه التكنولوجيا جزءا مهما من الجهود الرامية لتطوير مصادر الطاقة المتجددة.
بصمة في الإحصاءات والاعتراف العالمي
حتى الآن، نشر محمد نذيرالدين أكثر من 980 مقالة محكمة في مجلات مرموقة، وله 10 فصول في كتاب و103 براءات اختراع باسمه. تشمل براءات اختراعه الرئيسية ألوان N3 وN790، وطريقة الترسيب على مرحلتين لصناعة خلايا بيروفسكيت الشمسية، واستخدام طلاء خاص لمنع تسرب الرصاص في هذه الخلايا؛ وهي ابتكارات ساهمت بشكل كبير في تقدم تقنيات الطاقة الشمسية. استُشهد بأبحاثه أكثر من 194 ألف مرة، وبلغ مؤشر h الخاص به 197، وهو مقياس يضعه ضمن العلماء الأكثر استشهادا على مستوى العالم.
منذ 2014 وحتى 2024، كان دائما ضمن قائمة الباحثين الأكثر استشهادا من ISI، ودُعي أكثر من 450 مرة لإلقاء محاضرات في مؤتمرات دولية. لم تقتصر تعاوناته على الأوساط الأكاديمية فقط، بل شملت شركات صناعية كبرى مثل Panasonic، NEC، TOYOTA-AISIN، TOYOTA-Europe Motors، Solaronix و ABENGOA، وقد دعمت أبحاثه ماديا. أهمية أعماله جعلت تامسون ورویترز تدرجه في عام 2015 ضمن 19 عقلا علميا مؤثرا عالميا. إضافة إلى ذلك، نذيرالدين هو عضو في الجمعية الأوروبية للكيمياء، والأكاديمية الأوروبية للعلوم، والجمعية الملكية للكيمياء في بريطانيا، وأكاديمية علوم تيلانجانا؛ وهي مواقع تعكس نطاق تفاعلاته العلمية الدولية. كما يمتلك خبرة في عضوية لجان التحكيم والتحرير في عدة مجلات علمية مرموقة، مما يبرز مكانته في مراجعة وتوجيه الأبحاث ضمن تخصصاته.
شهادة على سعيه
على مدار حياته المهنية، حصل محمد نذيرالدين على مجموعة من الجوائز العلمية. فقد نال حتى الآن ما لا يقل عن 20 جائزة وطنية ودولية، كل منها تأكيد على إسهاماته في تطوير علوم الطاقات المتجددة، وتصنيع المجمعات المعدنية، وخاصة خلايا بيروفسكيت الشمسية. يعتقد أن هذه الجوائز جاءت نتيجة جهوده في هندسة تركيبات بيروفسكيت، وتحسين الواجهات، وتطوير طبقات نقل الشحنات؛ وهي ابتكارات أدت إلى تحقيق أعلى كفاءات في هذه التكنولوجيا وأعادت تشكيل النظرة لمستقبل الطاقة النظيفة.
من بين هذه الجوائز، تبرز بعض الجوائز الهامة، مثل جائزة خوارزمي الدولية في العلوم الأساسية عام 2021. وفي عام 2025، تم اختياره ضمن المرشحين لنيل جائزة المصطفى (ص). كما حصل على منح وجوائز متعددة في دول مثل الهند، اليابان، البرازيل، وسويسرا. كل تقدير من هذه التقديرات يعكس تأثيره اليوم في مجال يواجه أحد أكثر تحديات البشرية حيوية: تطوير الطاقة المستدامة من أجل مستقبل أكثر خضرة.
اكتنفت مسيرة محمد نذيرالدين سلسلة من الاختيارات والتجارب.
اختار عبر مراحل حياته تخصصات وأساليب مختلفة، وفتح كل قرار أمامه طريقا جديدا. من شكوكه في الجامعة العثمانية بين الوراثة والكيمياء، إلى قرار السفر إلى سويسرا والعمل مع مايكل جراتزل (Michael Gratzel) ، ثم التركيز على الطاقات المتجددة وخلايا بيروفسكيت الشمسية، كان كل فصل حلقة في سلسلة شكلت سجله المهني. بعيدا عن الأرقام والجوائز، تمثل حياته نموذجا للربط بين العلم والتطبيقات اليومية. تظهر قصته أن البحث العلمي ليس نقطة نهاية، بل رحلة مستمرة، ما زالت تستمر وستفتح أمامه فصولا جديدة للكتابة.
ثورة الخلايا الشمسية البروسكايتية
حلم الكهرباء اللامحدود
لقد مررنا جميعا مرات عديدة بحالات انقطاع التيار الكهربائي؛ لحظات تتوقف فيها أجهزة التبريد عن العمل، وتنطفئ المصابيح، ويحل الصمت والظلام. ظروف تحرمنا حتى من أبسط حاجاتنا اليومية. هذه التجارب المتكررة التي أصبحت في الآونة الأخيرة أمرا شائعا، تذكرنا بعمق اعتمادنا على الكهرباء وأهمية الحصول على الطاقة. هذا الاعتماد مستمر رغم أن الجزء الأكبر من طاقة الكهرباء لا يزال يُنتج بحرق الوقود الأحفوري؛ مصادر ليست فقط محدودة ومهددة بالنفاد، بل أيضا تسبب أضرارا بيئية واسعة النطاق عبر إنتاج الغازات الدفيئة وتلوث الهواء وتفاقم أزمة المناخ. أزمات تهدد صحة الإنسان ومستقبل الكوكب.
ردا على هذه المشاكل، برزت الطاقات المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، كبديل مستدام ونظيف. الطاقة الشمسية هي من أنظف وأكثر البدائل المتاحة التي نُظرت إليها لعقود، لكن التقنيات التقليدية للوصول إليها واجهت مشاكل مثل التكلفة العالية، تعقيد الإنتاج، وكفاءة محدودة. في هذه الظروف، ظهرت خلايا الطاقة الشمسية البروسكايتية كجيل جديد من تقنيات الطاقة الشمسية، مما بعث آمالا جديدة. هذه الخلايا التي تتميز بتكلفة أقل وكفاءة أعلى، استطاعت تحدي قيود التقنيات السابقة وجذبت الأنظار إليها.
في هذا الإطار، كان للباحثين أمثال محمد نذير الدين دور في تطوير هذه التقنية الناشئة، والتي تبشر بالحصول على طاقة نظيفة ومستدامة ومتاحة للجميع.
اللبنة القديمة لبنية الخلية الشمسية
عندما نتحدث عن الألواح الشمسية، فإننا في الحقيقة نتحدث عن وحدات صغيرة تسمى خلايا شمسية؛ خلايا ترتب جنبا إلى جنب لتمتص ضوء الشمس وتحوله إلى كهرباء. في الجيل الأول من هذه التقنية، كانت الخلايا مصنوعة من مادة تسمى السيليكون. في هذا التركيب، تتكون الخلية الشمسية من نوعين من السيليكون تختلف خصائصهما. النوع الأول أو ما يعرف بـ (n-type) يحتوي على شوائب الفوسفور التي تضيف إلكترونات زائدة، بينما النوع الثاني أو (p-type) يضاف إليه عناصر مثل البورون، مما يسبب نقصا في الإلكترونات فيه.
في السيليكون من النوع p، بسبب نقص الإلكترونات، تتشكل أماكن فارغة تدعى بالثقوب، التي تسعى لأن تُملأ. عندما يوضع هذان النوعان معا، تنتقل الإلكترونات من الجانب n إلى الجانب p لتملأ الثقوب. عندما تكتمل هذه العملية، يتشكل بينهما منطقة تسمى منطقة التفريغ بسبب فرق الشحنة الناتج بين نوعي السيليكون. هذه المنطقة، تحت تأثير مجال كهربائي داخلي، في هذا الوقت تمنع مرور الإلكترونات بحرية من هذا المسار المختصر بين n-type و p-type ، وتعمل كحارس يمنع إعادة اتحاد الإلكترونات مع الثقوب، مما يخلق مسارا جديدا لتدفق الإلكترونات.
إذا قامت طاقة فوتونات الضوء بفصل إلكترون من جزيء السيليكون، يساعد هذا في دفع الإلكترون والثقب باتجاه مسارات معاكسة، ويتولد تيار كهربائي. الإلكترونات الحرة تتحرك إلى الدائرة الخارجية، وبعد مرورها تعود إلى الخلية وتتحد مع الثقوب، وهذه الحركة المستمرة تشكل التيار الكهربائي المستمد من ضوء الشمس.
بطل اسمه البروسكايت
لطالما كانت الخلايا السيليكونية أساس الألواح الشمسية؛ ولكن رغم نجاحاتها العديدة، واجهت قيوداً مثل انخفاض الكفاءة، التكاليف العالية، تعقيد التصنيع، واستخدام مواد نادرة في الطبيعة. هذه القيود فتحت الباب لدخول تقنيات جديدة، فظهر جيل جديد من الخلايا الشمسية يسمى خلايا البروسكايت.
مصطلح "بروسكايت" يشير في الأصل إلى نوع خاص من البنية البلورية ذات الصيغة العامة ABX₃ ، حيث يكون A غالبا كاتيون عضوي مثل الميثيلأمونيوم، و B فلز مثل الرصاص، وX هالوجين مثل اليود. بالرغم من أن آلية عمل هذه الخلايا مشابهة للنوع السيليكوني، إلا أن مكوناتها بفضل بنية بلورية منظمة ومرونة كيميائية تستطيع امتصاص الضوء جيدا ونقل الشحنات الكهربائية بكفاءة.
تحت مظلة الإضافات
رغم أن البروسكايت يبشر بالخير، إلا أن استقراره يقل عند التعرض للرطوبة والحرارة، وهذه واحدة من العقبات الرئيسية لتجاريته على نطاق واسع. هنا يظهر جهد محمد نذير الدين. للتغلب على هذا التحدي، تم دراسة أساليب مختلفة منها دمج البنى ثنائية وثلاثية الأبعاد، والتي تعزز مقاومة الرطوبة وتزيد من استقرار الأداء على المدى الطويل.
في خلايا البروسكايت، تمتد الشبكة البلورية في ثلاثة أبعاد مكونة هيكلا ثلاثي الأبعاد. في الأسلوب المذكور، بإضافة مجموعات فلوريدية مثل فلورو-فينيل إيثيل آمين وبنتافلورو-بنزيل آمين إلى الطبقة السطحية، يتم تحويل هذه الطبقة إلى هيكل ثنائي الأبعاد. هذا الهيكل يصبح كريها للماء ويعمل كدرع يمنع تحلل الجزء الأساسي من الخلية.
في دراسة أخرى، تم تقديم مركبات مثل ألكيل فوسفونيك أسيد ω-أمونيوم كلوريد1 التي تعمل كجسور جزيئية تربط حواف بلورات البروسكايت، مما ينتج هيكلا أكثر تماسكا ومتانة. هذا التعديل السطحي سمح للخلية بالحفاظ على أكثر من 80% من كفاءتها الأصلية بعد أسبوع في رطوبة 55%، في حين أن العينات التي تفتقر إلى هذه الطبقة فقدت كفاءتها بسرعة.
أيضا، أظهرت الأبحاث أن إضافة مزدوجة؛ دوبانت مثل ميثيلأمونيوم كلوريد (لتعديل الخصائص الكهربائية) ومادة مضافة مثل 1و3-بيس-سيانوميثيل-إيميدازوليوم كلوريد (لتحسين جودة البلورات والكيمياء)، أدت إلى تشكيل طبقة متجانسة ومستقرة من البروسكايت. هذا التعاون ساهم بشكل فعال في تقليل العيوب وزيادة الأداء. من ناحية أخرى، ساعد استخدام إضافات الفوسفونيك أسيد على تحسين تماسك وتنظيم بلورات البروسكايت.
هذه التحسينات لم ترفع الكفاءة فقط من حوالي 9% إلى أكثر من 16%، بل حسنت بشكل كبير استقرار أداء الخلايا تحت رطوبة نسبية عالية.
الإلكترونات في مصيدة الطاقة
في سبيل زيادة الكفاءة والاستقرار في خلايا البروسكايت، أصبح من الضروري فهم أدق لسلوك الإلكترونات ومستويات الطاقة في الطبقات المختلفة. كما ذكر سابقا، تتكون الخلية الشمسية من عدة طبقات لكل منها دور مختلف في تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء. أهم هذه الطبقات هي الطبقة الفعالة حيث يتم امتصاص الضوء وفصل الإلكترونات لتوليد التيار.
كل مادة في هذا الهيكل لها مستويات طاقة محددة لإلكتروناتها. إذا لم تتطابق مستويات الطاقة بين الطبقات مثل الطبقة الممتصة وطبقات نقل الشحن، فإن الإلكترونات تفقد الطاقة أو تُحبس. من العوامل التي تسبب هذا الحبس وجود "مصائد الطاقة"، وهي نقاط في بنية المادة تسبب احتجاز الإلكترونات بسبب عيوب أو اختلالات في البلورات، مما يعيق حركتها في الدائرة الكهربائية.
هذه الظاهرة تقلل التيار، تهدر الطاقة وتخفض الكفاءة. لمواجهة ذلك، تم تقديم حلول متعددة، منها استخدام بلازما غير حرارية لاختراق بنية البروسكايت مما أدى إلى تعطيل مصائد الطاقة وتحسين توازن مستويات الطاقة.
أيضا، أجريت محاولات لتحسين التركيب الكيميائي للطبقة الفعالة؛ منها عمل فريق محمد نذير الدين الذي أضاف كمية محكمة من يوديد الرصاص (PbI₂) إلى طبقة البروسكايت، مما ساعد في تشكيل بلورات أكثر انتظاما وتجانسا، بعيوب أقل وكفاءة أعلى.
نتيجة هذه التعديلات تم الحصول على خلايا بكفاءة تزيد عن 20% بحيث حافظت على جزء كبير من أدائها حتى بعد تعرضها لظروف بيئية حقيقية. هذه الإنجازات أظهرت أن الوصول إلى التكوين الأمثل يتطلب فهما عميقا وهندسة دقيقة لسلوك الشحنات الكهربائية.
بلورات متجانسة مع هاجس بيئي
استمرارا في تحسين عمليات التصنيع، ركز نذير الدين على تطوير طرق بناء خلايا البروسكايت. من التحديات في تصنيع هذه الخلايا هو تكوين طبقة متجانسة وعالية الجودة من مادة الامتصاص الضوئي، وهو أمر كان يواجه مشاكل في الأساليب الأولية مثل الترسيب ذات المرحلة الواحدة بسبب نمو غير منتظم للبلورات.
محمد نذير الدين وزملاؤه قدموا طريقة جديدة تسمى "الترسيب المرحلي2" للتقدم نحو الأمام في هذا الأمر، وهي عملية من مرحلتين: أولا يتم تشكيل طبقة من يوديد الرصاص، ثم التحول إلى بروسكايت بواسطة التعرض لمحلول هاليد عضوي. هذه الطريقة تسمح بتحكم أفضل في نمو البلورات، وزيادة التجانس وتحسين الكفاءة النهائية للخلية.
الخلية المصنوعة بهذه الطريقة حافظت على 80% من أدائها بعد 500 ساعة من التشغيل. لكن التقدم في الأداء هو جانب واحد فقط؛ فالحفاظ على البيئة أصبح أيضا هما أساسيا في تطوير خلايا البروسكايت.
من القضايا المثيرة للقلق استخدام الرصاص في هذه الخلايا؛ وهو معدن ثقيل وسام له دور رئيسي في رفع الكفاءة لكنه يثير مخاوف بيئية كبيرة. للرد على هذا التحدي، بحث العلماء استخدام تراكيب قليلة من الرصاص أو خالية منه، وفي بعض الحالات تم اقتراح استبدال الرصاص بالقصدير. رغم أن البدائل لا تقدم كفاءة مساوية لتراكيب الرصاص، لكنها خطوة مهمة لتحقيق التوازن بين الأداء العالي والمسؤولية البيئية.
كذلك تمكن فريق نذيرالدين في النهاية من وقف تسرب الرصاص باستخدام غطاء خاص على هذه الخلايا.
في المجمل، خلايا الطاقة الشمسية البروسكايتية تمثل ابتكارا اجتماعيا يمكّن من توفير كهرباء رخيصة وموثوقة في المناطق المحرومة، مع تقليل الاعتماد العالمي على الوقود الأحفوري، وتعزيز العدالة في الطاقة.
هذه الإنجازات التي تمتد على مدار 12 عاما، فتحت المجال لتطوير هذا الجيل الجديد من الخلايا الشمسية ذات القدرات العملية والتجارية، ومهدت الطريق لتحقيق أنظمة طاقة مستدامة ومتاحة.
كما يقول نذير الدين:
"لقد قطعنا شوطا طويلا. انتقلنا من كفاءة أقل من 10% إلى 26% وهي نسبة مؤكدة رسميا ومعلنة في الأبحاث. هذا تقدم هائل. كما أحرزنا تقدما ملحوظا في الاستقرار، والآن يمكن القول إن هذه الخلايا مستقرة وجاهزة لدخول السوق. لكن سيستغرق الأمر عدة سنوات أخرى للوصول إلى الاستخدام الواسع. عندما يحدث ذلك، ستتمكن معظم الدول النامية والمتقدمة بسهولة من تبنيها، لأنها من الناحية التقنية تعتبر منتجا منخفض التقنية."